الأربعاء، 16 ديسمبر 2009

بلد يواجه مئذنه ( سويسرا على خط المواجهه )


قبل أيام أشغلتنا وسائل الاعلام المرئيه منها والغير مرئيه ، بنتائج الأستفتاء الشعبى والذى أجرته الحكومه السويسريه بخصوص حظر بناء المأذن لمساجد المسلمين فى هذا البلد الاوروبى الصغير ،


وبما أن غالبيتنا لم يتورعوا أثناء سماعهم نتائج الأاستفتاء عن لعن سويسرا ووصم شعبها بالعنصريه ،


إلا أنى ومن وجهه نظرى أجد قرار حظر المأذن أمرا" طبيعيا" فى ظل تنامى قوه ( اليمين المتطرف) فى عموم بلدان القاره العجوز ،


والذى بدروه أستغل تداعيات الأزمه الماليه العالميه وتأثيرتها على الأنسان السويسرى بوجه" خاص والأوروبى بوجها" عام ، ليثير قضايا القوميه والمهاجرين ، والخصوصيه الثقافيه للمجتمع السويسرى ،


موجه الأستنكار والتنديد لم تتوقف عند حدود العالمين العربى والإسلامى بل تعدتها إلى الفاتيكان والذى أصدر بيانا" أعتبر فيه نتائج الاستفتاء ضربه فى صميم حريه المعتقد ،


ولمن لا يعلم ، لسويسرا نظام ديمقراطى هو الأرقى فى العالم ، فبأمكان أى مواطن أن يطلب أجراء أستفتاء فى قضيه" ما ، شرط ان يستوفى الشروط اللازمه ، ومن ثم يٌجرى الأستفتاء ، ويتم تبنى نتائجه ،


ومعروف أن (سويسرا ليست عضوا" فى الإتحاد الاوروبى ) فالسويسريون يشعرون دائما" أن خصوصيتهم الإجتماعيه والثقافيه تختلف عمن سواهم من الأوربيين ، لذا دائما" ما يستميتون فى الحفاظ على خصوصيتهم ، فهم ينظرون حتى للأوروبى على انه غريب ، فكيف بمن يختلف معهم فى المعتقدات ،

سويسرا بلد منغلق ، وبأستثناء أزدهار القطاع المصرفى ، والرخاء الأقتصادى ، لتعذر على العالم تذكر سويسرا البلد الصغير المحاط بعملاقه أوروبيين ، ترفض سويسرا" الذوبان فيهم ،


لذا فأن 57% من الشعب السويسرى والذين صوتوا لصالح قرار حظر بناء المأذن ، يعدون تصويتهم لصالح قرار المنع أنتصارا" للقوميه والخصوصيه السويسريه ،


الأمر بالنسبه لى ليس مفاجئا" ، ولا يستحق كل هذه الحمله الأعلاميه على قرار شعبى ، لا يعطينا الحق للقول بأن (السويسريون عنصريون ) لأن 43% كانوا ضده ، لكنى أجد فى نتائج الإستفتاء محاوله بائسه من اليمنين المتطرف لعزل سويسرا عن محيطها الخارجى ،

ولا شك أن ما حدث هناك يعد مؤشر مقلق ، يقودنا للسؤال عما أذا كانت أوروبا تنحو بأتجاه العنصريه ، وهذا ما بدا لنا جليا" فى تظاهرات جابت شوارع لندن وباريس تطالب بما هو أبعد من حظر المأذن ،


الشئ المضحك فى رد فعل البعض ممن يعتقدون أنهم أكثر من يدافع على حرمات الأسلام ، هو عزمهم الرد بطريقه جهاديه انتقاما" من شعب سويسرا العنصرى ،


عموما" السويسريون يسعون كثيرا" إلى أن يكون مختلفين عن الأخرين، لذا لم يدخلوا أى أتحاد قارى ، ولا يسعوا إلى إقامه أحلاف ،


وبما أن الديانه المسيحيه جزء" من الإرث السويسرى ، فأنهم بنظرون للإسلام على كونه تحديا" خطيرا" يهدد اهم ركائز القوميه السويسريه ،


ومعلوم ان النزعه القوميه ، أى نزعه قوميه ، تمثل مناخا" ملائما" لتنامى مشاعر الرفض للأخر ،


وفى هذا المناخ تنمو حركات اليمنين المتطرف ، والذى يستغل ظروف أنيه ، ليعمل على تهييج مشاعر الناس خصوصا" متوسطى الثقافه ،


فاليمنين على كلا" لا يحمل أيدلوجيا بالمعنى المتعارف عليه ، بأستثناء اللعب على عواطف العامه والبسطاء ، وأستغلال تردى حالتهم الأقتصاديه ، لتحقيق أهداف عنصريه بحته ،



هذا أذا ما أضفنا إلى كل ذلك الموجه الاعلاميه الشرسه والتى ربطت الإسلام بالأرهاب ، على النحو الذى أثار فزع عامه الاوربيين وليس السويسريون فحسب ،


ولعل الأصوات التى تقول أنه ما دامت دول أسلاميه كالسعوديه مثلا" تحظر بناء كنائس للأقليات المسيحيه ، فمن الطبيعى أن تسعى أوروبا


للمطالبه بالمثل ، و يوجهون لمعترضيهم سؤالاً يقول أنه لماذا يجب أن يرضوا أن تكون أرضهم "المسيحية السويسرية الخ مستباحة ليأتي من يشاء و يبني عليها ما يشاء,


إن كان من يأتى عندنا ليبنى مسجدا" ، يرفض أن تبنى كنيسه فى بلده ،


و هذا باعتقادي أقوى خطاب, لأنه دعوة للندية, بمعنى أننا "لسنا أقل منهم و لنا الحق بأن نحمل من الغيرة على ديننا نفس ما يحمله المسلمون من الغيرة على دينهم في بلادهم.


ومن هنا تبرز مقارنه قد تبدو منصفه إلى حد" ما ، فنظريتهم تقول أن المسلمين يستغلون ديمقراطيتنا لنشر دينهم ومعتقداتهم ،


فى حين تفرض قيود فى بلدانهم على الأقليات المسيحيه ، ولعل صور كنائس مسيحيه فى العراق وهى مهدمه ، وتهجير أقليات مسيحيه فى لبنان إبان الحرب الأهليه ، مازلت راسخه لدى الأنسان الأوروبى ،


لذا فاليمنين المتطرف يقول فى مجمل خطاباته العنصريه أن هؤلاء المسلمون لا يأتون إلى هنا للتعايش والأندماج مع المجتمع الاوروبى ، بل للسيطره والتوسع على حساب الحضاره الاوربيه ،


لذا فهم دائما" ما ينقلون عبر مواقعهم الألكترونيه لبعض مشائح المسلمين يقول فيها كذا وكذا ، ويقولون أيضا" ان عددا" من دول أوروبا ستصبح أسلاميه فى غضون عقود ،


لذا فأنى لا ألوم رجل الشارع العادى فى أوروبا ، كونه من حقه الخوف على وطنه ، والعيب ليس فيه ، بل بمن يعزف على اوتار هذا الخوف لأغراض سياسيه بحته ،ويعطيه الذرائع ، ويمنحه الأرض الخصبه للأنتشار والنمو،


ومع كل ذلك مازال الرأى العام الأوروبى مناهضا" لقرار حظر المأذن ، وهو ما أكده رئيس وزراء بريطاينا (جردن بروان ) بقوله أن القرار يمثل نكسه لقيم التعايس وحريه الأديان)


أخيرا" يجب الأخذ فى الأعتبار أن القرار فتح الباب على مصراعيه لقوى اليمين المتطرف لنشر أفكاره خصوصا" فى ظل أزمه ماليه خانقه يعيشها الأنسان الأوروبى ,


رفعت معدلات البطاله إلى أعلى مستوياتها ، وهو ما قد يستغله اليمين للأشاره دوما" إلى القادمين من وراء الحدود ، والذين أخذوا فرصه (أبن البلد) فى العمل والتوظيف ،


وأهم الخطوات للتصدى لمثل تلك الدعوات تبداء بالنقد الذاتى ، والسعى لتفهم مخاوف الأخر ، ونشر ثقافه التعايش والوئام ،


والعمل على مسح هذه المخاوف ، بدل العمل على أذكاء نار الصراعات الاثينيه والعقائديه ، بما يفوت الفرصه امام قوى الأستغلال الإيدلوجى والسياسى ،