أكثر المآسي في هذه الحرب لا تنحصر فقط في حجم الضحايا والدمار والبؤس والشقاء، بل في تمزيق النسيج الاجتماعي بشعارات عنصرية وطائفية ومناطقية وجهوية، بلا أدنى ذرة حياء قلنا في بعضنا البعض ما لم يقوله احد، فشمت بنا القريب قبل البعيد والعدو قبل الصديق.
فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل "
أكتب اليك الان يا صغيرتي والجمع من حولي مشغول ، فيما أنا مشغولً فيك، كل واحدٍ منهم ينظر فى عين من يجاوره من صغاره كتفً بكتف، لا فسحة لأبليس بيننا كما تعلمين ، ما عاد الشيطان ضرورياً فى بلادنا، بأمكانه أن يأتي على هيئة صيدلي يقتات من لحومنا، او على شاكلة مُهرب أدوية، او مسؤول لا يرى في المنصب الا مغنماً،
مضى الكثير،
قرون ونحن نتقاتل،
يرقصون في الهند الفقيرة المكتظة ونحن نتقاتل،
يولم الخليجيون على موائد اللحم والكبسة وقنوات غنوة وروتانا، ونحن نتقاتل،
ولقد حظي كل البشر بفواصل ووقت مستقطع يلتقطون أنفاسهم ونحن نتقاتل،
ارفع قبضتي في ظلمات القرية المهجورة نحو السماء وأصرخ : الهي لماذا تخليت عنا ؟
قتلت الحرب أجمل فينا، قتلت جيل كان يحلم بشهادة جامعية يعلقها على جدار غرفته، الجيل الذي كان يطوي المسافات ليصل الى مدرسته البعيده، ليعود في الظهيرة مثقلاً بالتعب اللذيذ،وهو يحدث نفسه،لا بأس غداً سأكون دكتور يملئ صيته الدنيا،
يتأخر أحدهم في الوادي الخالي من رعاة الأغنام،كي يتسلل خلسة لسرقة القليل من اغصان القات تساعده على حفظ دروسه، يصل الى البيت منكهاً والعرق يتصبب من جبينة، ضريبة النجاح باهضة على أي حال، يبحث عما يسد به جوعه في بلادً أكلها الجوع والفقر،
هؤلاء الفتيان الذين أحببناهم على قلة خبرتهم بالحياة، عرفناهم بتسريحات شعر أنيقة،وابتسامة غجرية وشقاوة الشباب،
ذهب غالبيتهم ضحية التحريض المنفلت للمؤدلجين سياسياً والمتطرفين عقائدياً، وتحت يافطات وشعارات عدمية،حشدوا فتيان في ريعان الشباب الى جبهات الموت، الموت الذي لا يراعي طراوة عودهم وصغر سنهم،وقلة خبرتهم بالحرب، وكل ما في جعبتهم كلمات عن الغزاة الكفرة الأتون من حدود المريخ وعوالم ماخلف بلادنا،
تهاد الشباب الى الحرب جماعات وفرادى،ومضوا في دروب الموت دفاعاً عن الوهم، والوهم قاتل لا يعرف له صاحب، وفي غمار حرب ضروس لا ترحم،وجدوا أنفسهم حاملين بندقية الحرب بأيدي ترتجف رهبةً ورعب،
مزق صوت الرصاص سكون قريته الجميله في مخيلته، يحاول جاهداً الاحتماء بكتف صديقه من دوي القذائف، خانتة ركبتاه وهما ترتعدان خوفاً،
لقد كان ينام الليل على فراش امه دون خوف، واليوم تحدق المخاطر من كل جانب، وهناك خلف صحاري الحدود تمضي السويعات مثل دهر، تزحف المخاوف الية من كل حدب، الاجواء المفعمة بالدخان،اصوات المعارك التي تنتهي،والطائرات التي تحوم في الاجواء تبحث عن فريسة على الارض،
يسقط صديقه صريعاً مضرجاً بدمه، يفر الجميع هلعاً، ويحاول هو جاهداً حمل رفيقه الذي ينازع ليبقى على قيد الحياه،
يقول رفيقه العجوز في الجبهة (مافيش حد يرجع يراجم بيت أمه الا أحنا)، ياعيالي هذي مش حربنا، قوموا نروح،والله لو نروح نشحت في بلادنا أشرف من أقاتل أبن بلادي دفاعاً عن بلادً ما جانا منها الا البلاء والمصايب،
ذهبوا جماعات طمعاً بفتات البترول،فعادوا فرادى يندبون رفقاهم الذين قضوا تحت رمال الحدود،
أنا المصلوب بالدم وعذابات اهل بلادي،
كأنني كل ام تتشمم كوت ابنها المثقوب بالرصاص الملطخ بالدم وغيلة الفجائع،
كأنني كل أرملة تتوسد بقية الليل مذعورة من صباح يحملون رجلها جثة،
كأنني الجثث..
وموت المخذولين قليلي الحيلة،
أنا معاش الجندي وحشرجاته وانا احتضار المقاتل ملقى في الشعاب وهو يردد : اشتي أمي،
أنا الأمهات والأيتام وانا المقابر والنهايات ، وأنا الليلة ليلة كل امرأة ذبحوا كل ما لديها في هذا الوجود .
على ايش ؟ لأجل ماذا ؟ لأجل ان ينعم الدب الداشر بالأمان، لأجل أن تنعم جارة السوء بالرفاهية والأستقرار،وهي التي ما أدخرت وسيلة لأفقارنا الا وجربتها،
خمسون عاما ونحن نتضور جوعا بالقرب من اكبر مخزون نفطي في العالم، يقبع الجندي السعودي السمين داخل مدرعته في خلفية الجبهة لنقاتل نحن بدلا عنه،
نتلفت في حواجز التفتيش في انتظار إهانة ونتلمس في بلادنا رصاصة لا يدري أحدنا وهو يلتفت من أطلقها في الظهر وماالحد بين ملامح أخيك وسحنة الغريب،
أيها الماكث في الأعالي ، هل تجليت الآن في الثلث الأخير من الليل ؟
إن كنت تسمعني الآن فتنزل، ها أنا ماكث أنتظرك عند قبر مولانا الحجازي،والقرية التي يسودها الصمت أمام عيني،ولا أحد هنا سوى صرير الريح في ليالي الصيف المطيرة ، أصدقائي الراحلين في غياهب الزمن الملعون المتجرد من القيم،
ها انا على العهد يا مولانا، لم ابع الأرض للغرباء، مازلت وفياً لطينتها، ،معلقا كمسبحة في يديك فوق هضابها النائمة على سفح لا يعرف النعاس،
انا متعب يا مولانا، متعب من كل هذا النفاق المغلف بالدين والتدين المزور،اللحي المتلونة كالحرباء، الوطتية الجوفاء الخارجة من بلاط رعاة الشاة، مازلت طازجاً كما عهدتني، لم ينل مني الريال المدنس بدم الابرياء،
امنحنا بعضا من رحمتك
نحن اليمنيين وقد شبعنا موتا ومذلات .
كل الدول كانت دويلات تقاتلت مرة واحدة وانتهت لإتفاق دولة
ونحن دويلات عبر القرون نتقاتل ولم نتفق إلا على دورة قتال جديدة وكان قتل بعضنا هو مهنتنا الوحيدة ، نحن الشعب الذي اتخذته تجربة لا تتوقف لعجز البشر وافتقارهم للعقل والمنطق،
تعبنا ، كيف نخبرك أننا تعبنا ؟
الم تقل انك تعلم خائنة الأعين وماتخفي الصدور ؟ صدورنا لم تعد تخفي كل هذا الفزع والنواح وهجعة المغدور
لقد تعبنا ، تعبنا حقا ، في عالم لم يعد يرانا غير موضوع استثمار وجشع، وحين فكرنا بالحرية،اجمعوا علينا العالم ليحاربنا،
نحن ذلك المولود لجارية فاجأها الطلق وحيدة في العراء وهي تصرخ : يالهي كن إلى جواري لوهلة ، كن إلى جوارنا قليلا ، نحن الذين نولد كالذباب ونموت كالذباب .
عن عشق الملوك
يظن البعض أن كل الملوك يفتقدون للوفاء فتراهم يسهرون كل يوم مع خليلة جديدة، و أنهم يضحون بكل شيء في سبيل السلطة….والملك، ويكادوا يتناسون ذلك الحب الذي –كما يقول نزار- ظل قرونا و قرونا ...يذل الاقوياء القاهرينا....و يذيب البسطاء الطيبينا.
من الملوك من لا يتردد في فعل أي شيء أرضاء لمحبوبته، فهذا نبوخد نصر ملك بابل يسمع أن حبيبته "ميهيا" تشعر بالاشتياق للحدائق المرتفعة المحاطة بالخنادق المائية في وطنها "ميديا"، فيأمر بتشييد أعجوبة من عجائب الدنيا السبع لاجل خاطر عيون ميهيا، وترتفع حدائق بابل المعلقة و المثمرة في كل فصول السنة في سماء بابل لكي لا تشعر الحبيبة بالملل.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
حدائق بابل المعلقة كما تصورها أحد رسامي عصر النهضة
و أما شاه جيهان المغولي فلم يستطع أن يستوعب صدمة وفاة زوجته " "أرجونمد بانو باكام" والتي أشتهرت باسم "تاج محل" أثناء ولادتها لطفلتهما الرابعة عشر، فأبى الملك ألا أن يخلد ذكرى حبيبته بضريح خرافي في اكرا الهندية لا زال حتى اليوم شاهد على قصة الحب العنيفة التي جمعتهم.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
ضريح تاج محل
بل أن البعض من يتنازل عن ملكه اكراما لمن يعشق ، فعندما أخبر أعضاء الحكومة البريطانية الملك "ادوارد الثامن" أن الشعب لا يمكن أن يقبل فكرة زواجه بأمرأة أمريكية مطلقة لتكون هي الملكة، قرر الملك الذي كان على علاقة حب بمطلقة أمريكية تدعى "ويلس سمبسون" و بكل بساطة الاحتفاظ بمحبوبته و التخلى عن العرش في عام 1936 فتخيلوا رجل يرفض أن يكون ملك لبريطانيا و أمبراطور للهند لاجل مطلقة أجنبية تكبره سنا.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
ادوارود الثامن و زوجته
والى أن نلتقي...أترككم مع مقطع من كتابات الامبراطور الفرنسي "نابليون بونابرت" الى زوجته الذي عشقها كثيرا الامبراطورة "جوزفين "والذي كتبه لها و هو في وسط أحد فتوحاته:
"انا لم اعش يوماً واحداً من دون ان احبك. ولم أمض ليلة واحدة من دون ان اضمك اليّ. حتي عند احتساء قدح شاي لوحدي. لا أكف عن لعن الغرور والطموح اللذين يجبرانني علي البقاء منفصلا عن روح حياتي المتحركة، حتي في غمرة واجباتي اذا كنت في مقدمة جيش او كنت اقوم بتفتيش المعسكرات.
معشوقتي جوزفين تقيم لوحدها في قلبي. تحتل عقلي تملأ افكاري، اذا فارقتك بسرعة كبيرة فعسي ان التقي بك بأسرع من المغادرة، واذا نهضت للعمل في منتصف الليل فإنه من اجل ان اقصر عدد الايام التي تفصلني عن وصول حبي الأثير.
إن اليوم الذي تقولين فيه أن حبكِ لي قد نقص، هو اليوم الذي يكون خاتمة حياتي"