على طول الطريق المعبد من عدن حتى بوابه يافع العتيقه ,
سابقنى الحنين للعوده لأستكشاف الجذور عند سفوح تلك الجبال السامقه فيها ,
هذه يافع الزاهيه المتوجه بعناقيد الزهر,
وعلى مقربه منها تبدو لك يافع كنجمه السماء المضيئه , تختال بريقا" يعكس جمال المكان,
فتترأى لك منازلها بعظمه تصميمها الفنى والمعمارى والذى تتميز به العماره اليافعيه , دونا" عن غيرها
وهى خير شاهد على أصاله الأنسان اليافعى الذى طوع الطبيعه الجبليه القاسيه ,فجعل منها مصدرا" يستمد منه القوه والعنفوان ,
تذهلنى يافع فى كل مره أذهب اليها , وأن كانت المره الأولى التى أعود اليها بعد سنوات عجاف أفقدتنى بعضا" من ألقها الأخاذ,
رويدا" يبدو لى وادى يهر, وجهتى المنتظره ,
حيث يسود المكان شيئا" أشبه بكرنفال أخضرارى معشق بنسمات ريفيه تزرع بين جنبات النفس مزيجا" من عبق المكان ..
تحيط بالوادى الجبال العاليه المرتكزه كالنصب التذكارى , كواحده من عوامل القوه والمنعه اليافعيه منذو القدم,
وعلى جنبات الطريق تشدك أثار تعود للحقبه الحميريه والسبئيه ونقوشا" تاريخيه بخط المسند,
فتبعث فيك أحساسا" بأنك فى رحله نحو عوالم التاريخ المنسيه,
تسير فى شوارعها ,طرقاتها ,أزقتها ,وأسواقها الشعبيه ,فتشعر أن الزمن قد عبر من هنا بأعقاب حديديه,
فخفر أثاره الهمجيه هنا , ووشم تعابيره بقسوه ,على البيوت ,والجدران ,والأشجار ,والأسوار , ومنعرجات الزواريب, ومدارب السيل,
لكنها يافع ماتزال متشبثه بذاتها ,بعناصر قوتها, من جغرافيا , وتاريخ , وثقافه وفن ..
لم تستطع كل العواصف أن تقتلعها , كما عجزت عن زحزحه الفلاح اليافعى عن طينه و أرضه,
هنا بيوت رغم جماليتها لا تجد من يسكنها , شيدها أهلها , ومضوا نحو بلدان الأغتراب , بعد أن تقطعت بهم السبل للعيش فى بلادهم,
وعلى أطلال البيوت المهجوره , أنتابنى حزنا" عميقا" لحالنا الموغل جدا" فى البؤس ,
فما قيمه هذا البيت من دون ساكنيه , تسرح فيه خفافيش الظلام , ويهد أركانه صمتا" مدويا" , يرتد صداه بين الجدران الحزين ,
هنا .. وما أن تنجلى سحابه صيف عابره , حتى تتضح لك مشاهد الأقصاء لكل من ينتمى لهذه البقعه المقصيه الأراده ..
والبعيده جدا" عن ذكراه السياسين فى البلد..
هى يافع أذا" ... المتناهيه بسمو النفس والبؤس ..
تنام على أرث" من التاريخ والعراقه ..فتنه الطبيعه وسحر الأغانى , على الرغم من محدوديه الحضور فى الدوائر الرسميه ,
تحس بأنك ترفل فى حضره السباق التاريخى والثقافى , للعبقريه التى أنتجت ذالك الأبداع الشعرى , وفن الغناء اليافعى ,
فتزداد أعجابا" بالمكان وفتنه" بهما ,
لكنك لا تملك اليقين أذا كان هيامك هذا مصدره ذاكره المكان المختزله فى وعيك الداخل عبر زمن مضى ,
أما اللحظه الراهنه التى لا تستقيم معها لجسامه الأهمال الذى تراه ماثلا" أمامك فى كل مكان ,
وهو ما لا يستقيم مع الذائقه اليافعيه ووعيها الجمالى ,,
وحالما تصل هنا , لن يرضى فضولك الأ باستكشاف الكثير , والكثير من المعانى اليافعيه البالغه الدلاله على أصاله وعراقه هكذا مجتمع,
هى يافع .. الأنسان البسيط الباحث عن المجد , بعيدا" عن دائره الضوء ,
يحلق بروحه بعيدا" عن سماوات الأستعباد , والأنقياد, والمذله ,
يافع ..القبيله ذو الصبغه المدنيه البعيده عن لغه الأستعلاء بالقوه , والتمترس ورائها ,
بالرغم من سعى لصوص العصر لأدخالها ضمن دائره الثأر , والأقتتال القبلى ,
تتعمق فى وجوه اليافعيين المغيبين منذو زمن بفعل فاعل , فيعتصر فلبك الألم , لما تراه من بؤسها , شظفها , ووطأه الزمن ,
وفجيعتها بالواقع المر , مراره أشجار الصبر فى جبالها الشاهقه ,
لكن الدهشه تملؤك حين تجد الأنسان اليافعى يتسامى عن كل ذالك بروح النكته , وأستحضار السخريه ,
وسرد القصائد الشعريه , والهيام باللون الغنائى اليافعى الشهير ,
ليدفع عن نفسه أيامه الحالكه , ويستعين بها على وجعه الأنسانى ,
المناعه التى أكتسبها اليافعى عبر القرون منحته روح التحدى , والصبر على المحن,
والقدره على التأمل فى المتعرجات الحياتيه , وعلى امتصاص الصدمات , ومواجهه الواقع وصعوبته بالصبر,
منحته تلك الطبيعه القاسيه الصلابه والمقاومه وروح الثورى الذى لا يهادن قوى الظلام ,
يسمو بروحه نحو العلياء , حيث تكمن خيوط الفجر , تتهيأ لزرع تباشيرها فوق الأكام والهضاب والأوديه ذات يوما" قريب ,
نتوغل أكثر فى يافع ..فتعطيك بيوتها حميميه للبحث عن النص المفقود هنا منذو مر المهاجرون اليافعيين القدامى ,
فلا تجد سوى حلقه وصل بمشيمه الهجره والأغتراب , أو الرضى بقدر العيش ضمن دائره الأقصاء المتعمد,
وعلى النقيض تماما" للمنازل الراقيه , التى شيدتها سيوله الأغتراب ومعاول الهجره,
تكمن بالقرب منها فى مشاهد متكرره منازل يجول بخاطرك عند مشاهدتها بأنها مجرد أطلال ,
أو بقايا من ألق يقاوم الأنطفاء , قبل أن تفاجئك بخطاء ذلك الأنطباع ,
فخلف تلك الجدران المتهالكه , الساكنه , تسكن الروح التى لا تموت , شرط أيه حياه , القادره على الأبداع ,
والصمود فى وجه تيار التغييب والغياب ,
تدخل الى واحد من تلك البيوت المرصعه بالطين على جنباتها المتهالكه ,
فتجدها على عكس ما توحى به من الخارج , تنبض بالحياه ,
تتمسك بها , بحقها فى الحلم والأراده , وتتوهج بالنقاش , فتملؤك يقينا" بأن المدن ليست البيوت والجداران ,
بل الناس والأنسان بوصفه القيمه العليا والغايه النبيله فى هذا العالم ,
تلكم هى يافع ..أرض المغضوب عليهم , وأبرز معاقل اليساريين فى الجنوب ,
تقاوم الأهمال , والتهميش , وتستعين على شقائها , ووجعها الأنسانى , بالشعر , والغناء ,
الأكسير الذى أكتشفته لشفاء الروح ,
وبالنكته تخسر من أعداء الحياه , أعداء الأنسان , أعداء الحريه ,,,