الجمعة، 28 يناير 2011

عن حرب اليمن الملعونه ..

منذ ارتكاستنا صيف 94، ما مرّ على الوطن الا أصياف من عناقيد الغضب،
عبّوا الفودكا و تدهدوا إلى الجبهة على الأنغام الثورية ( الله فوق الغادر ِ المتكبر ِ .. قولوا معي الويل ُ للمستعمر ِ.. )


وقف القائد بالكاكي بين مقاتلين أشاوس مع أسلحة بلا ذخائر ،آخر أيام الخيانة وقد ضربوا من الخلف وتوقف امدادهم بالذخائر..نكسة جديدة محلية وصغيرة جداً.
اربد وجهه قائلا ً:
_ يا عيالي حرام تموتوا .. أنتو أبطال .. روحوا أهلكم يشتوكم ..

كانوا مغمورين بهزيمة غير مبررة ، قايضوا الهزيمة بتكريمهم و علقوا النياشين قريبة من قلوب جوفاء يتسافى عليها رماد الهزيمة .
قاسم نال وسام قاهرالدبابات ومسدس ماكريوف.
الخمس عشرة سنة القادمة سيظل قاسم يردد :
_ لا تذكروني أريد أن أنسى .

الجيش الجنوبي لم يحارب،ربعه كان في الشمال غريماًللجنوب ، الربع الثاني لم يسحب ألويته من الشمال ، الثالث كان غير معني بالحرب ظل يتابع هرطقات اذاعة و تلفزيون عدن عن انتصاراتهم المزعومة على لواء العمالقة،الربع الأخير الذي حارب هم الذين عبوا الفودكا وتدهدوا الى الجبهة !

الربع الذي حارب لقط المدنيين مثل قطع شطرنج من المدارس والحافات ( الحارات )في تعبئة خاطفة مرعبة ، كان الشباب يختفون عن بيوتهم، وجواب البلبلةالأسرية لعمليات البحث عنهم ( لابد أنها التعبئة ) .. يشبه التعبئة شر لابدمنه كالحزب* !

كان قصف عدن حشراً مصغراً تناثر الرضع والأطفال في تلافيف الحارات الخلفية، وتكدس الجيران في سيارة واحدة كقطع مخلل متراصة ،يلتقطون الأطفال الناجين من قصف بيوتهم من الطريق وينطلقون للملاجئ.
الملحوس* في ملجئ مدرسةا لتواهي قال:
_ الله يخلي علي صالح اللي خلاني أشوف وجه البدوية.

شفاه مشققة رشقت وجهه بالبصاق، كانت البدوية بدون النقاب .
كأطباق سفرة بأحجام متعددة ازدحمت الملاجئ بالبشر،رؤوس صلعاء،نساء مترهلات ، مراهقين متململين ،وسلسلة من النمل تحلق حولها أطفال كضفادع مبهورة .

شح حلق عدن من الماء وانطفأ نور عينيها .كان على الناس تدبر أمرهم بلا كهرباء ولا ماء. وضع قاسم دبتين ملئت ماء 20 لتر على عتبة الدار ورجع مهرولا بالحامل الخشبي تتدلى من جانبيه دبتان فارغتان كقرطين ،

الماء لايكفي والقصف لايزال في اسبوعه الأول، وصل قاسم لكركبة الجيران حول سيارة بخزان ماء كبير ..أثناء انهماكهم ..اعترضهم باص ،وبعد عشر دقائق فقط ، تناثرت الدبب على الأرض و تلاشت كركبة السقاة .

انسحقت الأجساد في الباص شباب في الخامسة عشرة فأكبر، وسبعيني أسهم في رفع وتيرة الذعر ببكائه ، لقد أشهرت عيون ضيقة حمراء المسدسات على أصداغهم وأمرتهم بالصعود الى الباص.

في معسكر المحور الغربي وقف قاسم بوجه أعجف هزيل و19 عاماً وشهادة ثانوية في جارور مكتبه.. وقف في طابور أشرف عليه عسكريون مغبشين بالتراب والارهاق ، ثم فرزوهم (أنت تعال هنا وأنت هنا )

صعد الباص مع قاسم مجموعة من 16يافعاً بشنب وبري لقامات نحيلة، بعدأول نقطة أنزلوهم فاستقلوا سيارة جيش حجبت اصطكاك أجساد_ داخلها_ بأمنية هزيلة أن يكون ما يجري مجرد حلم، لا صوت يعلو فوق صوت الحزب ولا حتى صوت برئ مااستفتوه على الوحدة و ما عبّأ قلم الرئيس البيض بالحبر قبل التوقيع
(دائماً ما يتخذ الكبار قرار الحرب، ولكن الصغار هم من عليهم خوض الحرب والموت فيها.) هربرت هوفر .

خشخش حذاء القائد العسكري وهو يتفحصهم مثل صورة أشعة x-ray، رئة قاسم خانته في القيام بعملية استنشاق أكسجين تفاوضية ( أيها العالم امنحني اكسجينك وخذ حياتي) بدا العالم فيقرطاس مغلق بقبضة الحزب.

أشارالقائد الى قطعة خشبية مثبتة على بعد أمتار ثم أشار لقطع أسلحة كلاشنكوف اربي جي وطلب منهم أن يختاروا،هذه مساحة الاختيار الممكنة الأخيرة .
اختيار أهون الميتـتين . الرصاصة- الغيلة لظهرك اذا رفضت أوامر الحزب ، أو الرصاصة- البسالة لصدرك اذا حاربت القوات الغاشمة.

حمل قاسم كلاشنكوف، للمرة الأولى يلمس سلاحاً،أصبح ليده رائحة حديد صدئ ، ستبقى في ذاكرته شاهدا سرياً،كان يرتجف مثل قنفذ محموم، نفذ تعليمات المدرب ، وصوب الفوهة نحو القطعة الخشبية، أول طلقة دوت في بهو قلبه طيّرت حمائم طفولته من الشبابيك ولم تعد بعدها.
انقضت 4 ساعات على تدريب مختصر، تلقيم ،تركيب ،ضرب، ثم نودواالمجند فلان العلاني (جاهز). جاهز بلا جاهزية ..شأنهم أبدا.من غيرأنيودعوا موائد أمهاتهم، احدوداب آبائهم، لثغة اخوتهم الصغار.
(المجند قاسم بن.. جاهز ) ارتطمت حمامة أخيرة في بهو قلبه قبل أن تحلق بعيدا..

على جبهة ( بير نعامه ) المذأبة الكبرى ،خيروهم قبل أخذ مواقعهم ، فرعون يخير الرضيع موسى بين جمرة وتمرة ، الا أن تمرة الحزب نخرها سوس الموت ، اتجه قاسم بغريزة التشبث بالحياة الى المدفعية ،أفضل من الاندياح في حفرة للمشاة ، المدفعية شمخت مثل حصن مرزز بأمان مجهول قادر على حمايته.

هكذا يختار الأطفال لعبتهم الحربية بغريزة وأمان مجهول!

بتسع مدفعيات وحفر متناثرة كنسخ عديدة لثقبأوزون ،و شعر عكش يطل من الحفر مع أسلحة اختاروها لم يجبروا عليها !
ووجه أعجف هزيلتحجبه مدفعية يلتهم تعليمات القائد لطريقة القياسات والضرب ، بعد ضربته الثامنة أجازه القائد بربتة على كتفه وابتسامة ممطوطة.
Master scene ( اذا هجم العدو اضربوا )
العدو الذي لا يميز هيئته عن هيئاتهم أي شئ، يمني الشمال وجنوبي الزمرة.
ارتجف بهو قلب وجه أعجف( اذا هجم العدو اضربوا.. اذاهجم العدو اضربوا)

تمت رشوتهم بالوجبات الشهية و الفودكا الذي أطلقوا عليه ( شرابالشجاعة)، نقل ذوي الشنبات الوبرية والقامات النحيلة الجرحي على المحفات ،
بقلوب ضارية تصالحت شيئا ًفشيئاً مع مشاهد الدماء والأحشاء الخثرة،عبوا الفودكا و تسابقوا صعدا ً الى خطوط المواجهة،متجاوزين القائد ومدفعيته بكيلو ، بدون أوامر وببسالة ، السكارى- المقاتلون يفرغون قواريرهم في بهو قلوب موحشة، يكزون على ذكرى أحباء لم يودعوهم ،و وطن فرض عليهم اتاوة الموت .

يفرغون قواريرهم في الخامسة عصراً ويزحفون حتى الفجر،بأذرع معطوبة تلوح على جانبي أجسادهم ، وأرجل مجرورة مثل خيط بالي يستكملون ملحمتهم بوعي ضئيل ضئيل .............. و.. كاسك يا جنوب

قاسم عربي يحمل في جيبه عملة بوجهين نكبة ونكسة .. في الأولى صفقه سلاح فاسد وفي الثانية مغالاة في تضخيم الذات مع ( لم يقاتلوا.. فعليا ً)
سيقول قاسم على مدى 15 عاما ً القادمة :
_ لقد قاتلنا .. بكل ذرة من عصبنا .. لكنا طعنا من الخلف وتوقفوا عن امدادنا بالسلاح والذخائر

قاتل الذين آمنوا بشرعية الحرب ،فقط سماسرة الحروب آمـنوا بعبثيتها ..
ومنهم بدرت الخيانة !
معسكر قاسم المكون من أربعين جنديا ً قضوا جميعا ً إلا 12هم العائدون بخيبة و بوعي كامل هذه المرة .

_ لا تذكروني أريد أن أنسى .

فــتحت عدن مثل طروادة في حرب الألف يوم من النهب ،حشى قاسم سبابتيه في أذنيه حتى لا يصل إليه صوت السجاد اذ يطوى ،والمكيفات وهي تنقـر من الجدران والتحف تحشى في الجيوب.

لا تزال رائحة صدئ السلاح على يده ، لحرب سبق فيها النهابون الجيش َ الى المدينة المنكوبة.

___________________________

الملحوس شبه منتشي بالتمباك على دكة داره كان المنتصر الوحيد .

*يشتوكم: يريدونكم
* الملحوس المختل عقليا

* الحزب الاشتراكي حكم جمهورية اليمن الديمقراطيه او ماعرف باليمن الجنوبي

ليست هناك تعليقات: