قبل أن ادخل فى خضم ما جاء فى خطابك الدينى ، أود أن اشير الى جزئيه مهمه ، وهى أننى لا ادعو لخطاب دينى تقدمى ، ولا أريد أن يتحول رجال الدين الى منظرين لمدراس فكريه كالماركسيه اللينينه أو الليبراليه ، الخطاب الدينى عموما" يجب أن يظل محافظا" وتقليديا" وذومبادئ راسخه ، لذا فانا أعتقد أن محاوله ألباس الخطاب الدينى ككل بدله غربيه الطراز والنمط هى من قبيل المجازفه فى امر يدرك الكثير استحاله فعل ذلك ، فالدين والقيم الدينيه ستبقى كما هى أساسا" للقيم الانسانيه بشكل" عام ،
كل ما أريد أن أصل اليه من كلامى ، هو ان يتكلم الخطاب الدينى بلغه اليوم ، بأن يرى تحديات اليوم كما ينبغى ، كى يتسنى له مواجهتها بأسلوب العصر، انطلاقا" من تعاليمه وقيمه الثابته والراسخه ،
وأسمحى لى ان انوه الى أن مشكله الخطاب الدينى اليوم ، تكمن فى حده الطرح ، وأعتماد لغه الأقصاء ، لأثبات صحه ما يدعى ،
غدا هذا الخطاب رائجا" بفعل التدخلات الغربيه فى البلدان العربيه والاسلاميه ، حيث باتت الشموليه هى العنوان الأبرز لهكذا خطاب ، ولعله من الكارثه ان يغدو الخطاب الدينى أكثر تطرفا" من غيره ، وهو الداعى الى الحكمه والموعظه عند الاختلاف مع الاخر ،
فحين يعمد الخطاب الدينى الى النظر للأمور من زاويه ضيقه جدا" ، ووفقا" لنظريه المؤامره السائده ، فأنه ولا شك يلغى أحد اهم ركائز الدين ، وهى الدعوه بالتى هى احسن ،
فحين يتحدث البعض من المتدينين ، منطلقين من القاعده الدينيه والفكر الدينى ، لا يحدثون العلمانى مثلا" ، كأنسان يحمل فكر ، وصاحب قناعه ، بل يرونه شخصا" سطحيا" متأثرا" بثقافات الغرب ، وكلامه فارغ لا يمكنهم على أى حال محاورته ، او التكلم معه ألا بشتمه وكيل السباب لفكره المسموم ، كما يحلو للبعض تسميته ،
هناك مفاهيم وصور نمطيه أختزلها البعض عن بعض التيارات والمذاهب ، الفكريه أو الدينيه ، هى نتاج لتراكمات سلبيه ، ومن الظلم تعميمها على الجميع ، فحين يعمد الكثير الى أستدعاء سلبيات الاخر ، بغرض أقصاءه ، والسعى الى تهميشه وألغاءه بصوره قسريه ، لا أعد ذلك طريقه حياه فكريه راقيه ،
بأمكاننا تقبل الاخر ، حتى مع اوجه الاختلاف السائده معه ، لأن التمترس خلف المذهب والطائفه ، هو شكل من أشكال العصبيه ، وهو الامر الذى يناقض تماما" قيم الدين ، الداعيه الى التسامح والموده بين بنى البشر،
أنوه فقط الى أنى لا أدافع عن أى تيار أومذهب دينى ، أنطلاقا" من قناعتى الراسخه بحريه الاعتقاد ، ووفقا" لقاعده التعايش الودى بين الامم والديانات ،
قد يكون من البديهى جدا" على يسارى علمانى أن ينأى بنفسه بعيدا" عن الصراعات الطائفيه ، لكنى وتحت وطأه كلامك عن المذهبيه والصراع الطائفى الحاصل حاليا" ، سأسمح لنفسى بالتعريض على شيئا" مما ورد فى كلامك ،
انا يا عزيزتى لا أدعو الى أختزال الدين وشعائره فى البيوت والاقبيه ، لذا أرجو ألا تقولينى ما لم أقله ، فحين قلت أن تدينى هو حاله خاصه بى ، لم اكن اعنى على أن تصبح حالتى نموذجا" للجميع ، سبق وان اشرت الى ان من حق اى متدين ممارسه شعائره الدينيه بكل حريه ، بل وان يعمل من اجل ترسيخ قيمه فى المجتمع ، على ان يكون ذلك وفقا" للأطار والولاء الوطنى ، وبما لا يتعارض مع قيم وثوابت الدوله ، ومن حق المتديينن انشاء حزب سياسى كذالك ، وحتى الوصول الى سده الحكم ، على أن يتم ذلك بطريقه ديمقراطيه حضاريه ، بشرط ان يؤمن الحزب الاسلامى باحقيه الجميع بالعيش الكريم تحت كنف الدوله ، بأختلاف توجهاتهم الفكريه والمذهبيه ،
لسنا مثاليين على أى حال ، ولا يمكن لأحد ادعاء المثاليه المطلقه ، تيار" كان أو طائفه او جماعه ،
بخصوص كلامك عن التقيه التى يتستر بها الشيعه ، ويعمدون بشكل" أو بأخر الى أخفاء ما يبطنون ، كدليل منك على خبث نواياهم ،
شخصيا" لا أرى ان أحد" مخولا" بالحكم على سرائر الناس ، أقول ذلك من واقع ان ما يعلم الغيب إلا علام الغيوب ، لذا فلا داعى لتنصيب محاكم تفتيش للتحقق من ضمائرهم ،
الخطاب الدينى السياسى فى مجمله هو خطاب شعبوى عاطفى ، يعتمد اساسا" على تعاليم ربانيه غير قابله للجدل ، لذا من الصعب ان نجد متدينا" ديمقراطيا" ، فبدلا"من ان يقدم حلول جذريه وواقعيه لمجمل المشاكل العالقه ، سيلجأ الى النصوص لتبرير ما يحدث ، ولان غالبيتنا ننحدر من بيئات تشربت الفكر الاحادى الدينى ، فسيكون من السهل على المعممين الوصول الى السلطه ،
وبالتأكيد أن كل من يحلم بعوده حكومه يثرب بكل أحداثياتها ونمطها الحياتى والدينى ، هو لا شك واهم ، فالدين الذى لا يستوعب التغييرات ، لا يصلح ان نطلق عليه، دينا" لكل زمان ومكان ، هذا التقوعع فى الفكر الدينى حاليا" ينم عن قصر نظر بالنسبه لمفهوم الدين الشامل والصالح لكل الأزمان ،
فرجعيه ملالئ أيران تنطبق أيضا" على رجعيه شيوخ السعوديه ، فكلاهما يجندان الدين لخدمه مصالحهم الذاتيه فى المقام الاول ، وبنظره سريعه على بعضا" من تلك الفتاوى الصادره ، يمكننا أستشراف البُعد العاطفى الشعبوى ، اللذان يعتمد عليهما النظامان الايرانى والسعودى ، ففتوى تحريم المظاهرات المندده بالعدوان على غزه وجنوب لبنان، وأعتبارها من قبيل الافساد فى الارض ، ليست ألا نموذجا" على مدى الاستغلال الدينى السائد لدى النظامين،
فكلا النظامين يعمدان بشكلٍ أو باخر، الى ترسيخ قيم ومفاهيم رجعيه ، كمحاربه كل من ليس سنيا"و وهابيا" فى السعوديه ، وهو الامر الذى ينطبق على ايران التى سعت ومنذو ثوره الخمينى الى أذكاء نار العداء الطائفى بحجه الاخذ بثأر الحسين ، وما زكاه الخمس التى يتم اختلاسها من فقراء الشيعه الا دليلا"على مدى الكهنوت الدينى المتغلغل فى كل أنحاء ايران، هى أفكار عفى عليها الزمان ، وأجد انه من المعيب استدعائها الان ،
شخصيا" انا ضد النظامين السعودى والايرانى ، لسبب واحد ، هو انه كلاهما يدعى انه صفوه الصفوه ، وما دونه لا يستحق منه أدنى اعتبار، أكبر مأساه حلت بالامه ، أتت بفعل تزواج الاستبداد بالدين ،
مارست التيارات القوميه واليساريه شيئا" من الاستبداد ، ووصلت الى حافه الهاويه ، لكنها لم تكن بتلك الصوره التى يُخيل لى ، لو حصل أقتتال طائفى بين السنه والشيعه ، ولنا فى تفجير الحسينيات والمراقد فى كربلاء والنجف ، وفرق الموت الشيعيه التى اجتاحت مدن السنه فى العراق ، نموذجا" حيا" على فداحه ما قد يؤول اليه اى صراع طائفى ،
فقط اود أن أشير الى أن الدوله الفاطميه ، وهى شعيه بالمناسبه حكمت مصر قرونا" ، وهو البلد الذى يصنف على انه اعتى بلدان السنه بعد السعوديه ، الغريب أن التاريخ لم يذكر أى صراع دموى بين السنه والشيعه ، ويبدو ان العم سام نجح اخيرا" فى تفتيتت جسد الامه، بعد فشل تجربه الاحزاب السياسيه،
ختاما" انا على ثقه بان هناك الكثير من الاسلاميين الاصلاحيين ، سواء" أكانوا (رجال دين أو أكاديميين ومفكرين) ، يملكون القدره على أنتشال الخطاب من حاله الانغلاق والجمود السائد حاليا" ، هذا الخطاب الذى ينظر لأى كلام اوأى فكره على أنها خطر يهدد الامه ، أحيانا" قد تكون هذه الاخطار حقيقيه وواقعيه ، لكن التقوقع ودفن الراس كالنعامه لا يجدى فى ظل التحديات الراهنه ، يتوجب فيها أن يكون الخطاب الدينى على قدر متزن من المناوره لأقناع الاخر ، والوقوف بوجه كل التداعيات ،
أتسائل ببرأه أذا كان تاريخنا مشرقا" ومشرفا" لهذه الدرجه ، لِما نحن متخلفون الان ،؟! ألم نكن فحولا" صناديد ، بتلك التى الصوره التى قرأناها فى ملاحم عنتره ، وفى قصص شهريار، نحن بحاجه يا ساده لوقفه مع الذات ، لأعاده صياغه تاريخنا العربى بشتى فروعه ، فليس كل ما وصلنا صحيحا" ، خصوصا" أذا ما أخذنا فى الاعتبار ، اعتراف أحد رواه الحديث لحظه اعدامه بانه وضع أكثر من اربعين الف حديثا" كاذبا" عن النبى ،
تنويه أخير :ـ أذا ما أردنا الأرتقاء بالخطاب ، يتوجب علينا الأبتعاد عن لغه الأنفعال والتشنج ، كى يتسنى لنا محاوره الاخر بشكل عقلانى ،
والأكثر يتوجب علينا الألتفات الى الواقع ، والى العالم بكل ما فيه من تطورات وأشكاليات حاصله ـ، والانفتاح عليه والتأقلم مع لغه العصر وتعقيداته وتطوراته ، انطلاقا" من هذا الفكر الدينى ، دون ان نجعل من هذا الانفتاج مجرد بحث عن مساؤى وسلبيات الاخرين ، بل يتوجب قراءه التجارب ، واستخلاص العبر منها ،
لدى جار سلفى لا يكلف نفسه عناء حتى رد السلام ، ودائما" ما يرمقنى بنظرات استعلاء ، وكانه عُمر هذا الزمان ، ولو عُرف السبب بطل العجب ، يقول هو فى معرض حديث عابر لى معه ، على ان عدم التزامى بالسنه والمتضمنه حسب وصفه أطاله اللحيه ، وأرتداء قميصا" قصيرا" ، هو سبب مقته لى ، هكذا يبدو الدين بالنسبه له ، مظهرا" وشكلا" لا مضمونا" ، اذ لا يتورع أحيانا" من السخريه من كل من يرتدى بنطالا" غربيا" ، متناسيا" ان ساعه يده غربيه ، وبانه يستورد من الغرب الفاجر والمنحل من القلم الرصاص حتى طائرات البيونج ، وليته اتحفنا ببرنامج صناعه حتى لمعجون اسنان ، لكنه الجمود والانغلاق وليرحم الله جمال الدين الافغانى الذى دعى فى كتابه( طبائع الاستبداد )الى نقد موروثات الماضى ، كى يتسنى لنا المضى قُدما
" ،
يطول الحديث ، والليل على وشك المنتصف ، والكلام ذو شجون ، لكنه موعد النوم ، فمواعيد العمل لا ترحم ،
هناك جزئيات مهمه وردت فى سياق ردك ، لكن الوقت لا يسعفنى الان ، ساعود أذا قُدر لى ذلك ،
شاكرا" لكِ سعه صدرك ،
فى امان الله ،